اسباب ظهور الفلسفة عند اليونان
اشتهرت الفلسفة وازدهرت في بلاد اليونان خاصة، وذلك لأن بلاد اليونان قد تفاعلت فيها مجموعة من العوامل، جعلت الفلسفة اليونانية أكثر عمقًا وتشعبًا.
تلك العوامل نوجزها فيما يلي:
1. العامل الجغرافي: المتمثل في الموقع الاستراتيجي الذي كانت تحتله بلاد اليونان الكبرى، إذ كانت تطل على حوض البحر الأبيض المتوسط مهد الحضارات، وتتوسط ثلاث قارات:أوروبا وآسيا وإفريقيا.
2. العامل التاريخي: إذ تأتَّى للقبائل والمدن والجزر اليونانية التي كانت عبارة عن تجمع من المدن المستقلة المشتتة والمتطاحنة في عصر مظلم استمر حتى حوالي 800 سنة ق.م الالتفاف حول وحدة قومية وأمة واحدة؛ فعرفت البلاد عهدًا جديدًا مع ظهور الحضارة اليونانية.
3. العامل الاقتصادي: ومؤشره نمو قطاعي الفلاحة والصيد البحري وازدهار الصناعة باكتشاف الحديد ، علاوة على تطور التجارة الداخلية والخارجية البرية والبحرية، خاصة بعد اسـتخـدام النـقـد المعدني (حوالي700 سنة ق.م)، وتطوَّر التجارة له ارتباط بالعـلم، حيث تطـور عـلم الحسـاب بـزيـادة تعقـيـد التبادل التجاري، وتطـوَّر الفلـك بـزيـادة المخـاطـرات المـلاحيـة، وهذا كان من أهم العوامل.
4. العامل الاجتماعي: وتجلى في ظهور ثلاث شرائح اجتماعية تتنافس على الحكم، وهي شريحة الفلاحين ثم الصناع فالتجار.
5. العامل السياسي: وهو بروز الممارسـة الديمقراطية، ومعها الجناح الديمقراطي ضمن طبقة مالكي العبيد ( الأرستقراطيين و التجار )، والذي حددت نزاعاته السياسية والاجتماعية ملامح الوجه الفكري والثقافي للبلاد،حيث حققت النجاحات التالية:
6. الإزالة الطارئة للعلاقات القائمة على الدين، انطلاقا من تشريعات صولون.
7. رفع مستوى الزراعة خلال حكم أبايستراتوس في منطقة أثينا خلال النصف الثاني من القرن السادس(ق.م).
8. الثورة الديمقراطية سنة506(ق.م) بقيادة كلايستينس، وسقوط النبلاء نهائيًا ومعهم العلاقات القبلية.
9. تحولت قواعد اللعبة السياسية إلى قواعد فكرية عامة قام بتبنيها وتطويرها التفكير الفلسفي.
10. العامل الثقافي الفكري: إذ جمع التراث الأسطوري اليوناني في ملحمتين يونانيتين وهما: الإلياذة والأوديسا اللتان نسبتا لهوميروس (حوالي 800 سنة ق.م)، والإلياذة تحكي قصة حرب طروادة وتعتبر مع الأوديسا أهم ملحمة شعرية إغريقية، وتدور أحداث الإلياذة والأوديسا حول الآلهة البشر وصراع بين أثينا وإسبارطة، وصوَّرها هوميروس في شكل ساخر وبيَّن فيها أن البشر إرادة حرة يصنعون من خلالها قراراتهم ويتحملون أخطاءهم، والملحمتان يكملان بعضهما.
11. التطور العلمي: وأهم ما يميزه هو ظهور الرياضيات، حيث تأثر الفكر الفلسفي بهذا التفكير.
إنجاز معاش محمد
الدهشة هي شعور محايد بين اللذة والألم، غير مفهوم تماما، لا تستطيع المقاييس الأصلية وضعه ضمن أطرها، بل إن الاندهاش هو مواجهة مع ما لا يخضع للمقاييس السابقة، جديد، مفاجئ يدعو للتوقف أكثر من دعوته للاتباع.
إن الدهشة شك. شك في المعرفة والمقاييس الحالية، الدهشة هي جملة من التساؤلات الراجعة على نفسها، أسئلة من نوع تلك التي تؤدي إلى تغيير المسار وفتح آفاق جديدة. إن الاندهاش بمنظر للطبيعة يعني التوقف عن النظر إلى الطبيعة كما في السابق. لا لم يعد ذلك ممكنا مع الدهشة لا بد من نظر جديد للطبيعة وفهم جديد لها. الفكرة المدهشة ليست تلك الفكرة التي نؤمن لها ونهز لها الرؤوس موافقة، قد تكون هذه الفكرة هي الفكرة المعجبة ولكن المدهشة هي تلك التي تؤدي بنا إلى التوقف عن المتابعة وإعادة التفكير تلك التي تثير شكنا في ما نعرفه وفي آليات تفكيرنا. إن الفكرة المدهشة هي تلك المثيرة للأسئلة بالدرجة الأولى.
من هنا يمكن أن نفهم ما يقوله أرسطو عن الدهشة، يقول: "من خلال الدهشة يبدأ الناس يتفلسفون، وهي الحالة التي تميز الفيلسوف حقا وليس للفلسفة من مبدأ سواها". الدهشة سابقة للمعرفة، نتحدث هنا عن المعرفة الحقيقية، المعرفة التي ينتجها الإنسان بنفسه، تلك التي يتفكر فيها ويتأملها، تلك الناتجة من شعوره بالحرية والمسؤولية، ولا نتحدث بالتأكيد عن المعرفة النقلية المتوارثة تلك التي يسلم بها الفرد دون أن يكون له دور في إنتاجها أو فحصها. الدهشة هي نقطة البداية. والفلسفة تقوم أساسا على أن هناك دائما نقطة بداية. بينما لا وجود لنقطة النهاية، كل الأفكار والحقائق قابلة للنقض والنقص. قابلة لأن يعاد التفكير فيها مرة أخرى. لا يوجد للمعرفة البشرية نقطة في آخر السطر. هناك دائما جملة تحتاج إلى مبتدأ.
الفيلسوف الحق هو المندهش. هو ذلك الإنسان الذي تسيطر عليه حالة من الرغبة في إعادة النظر والقلق من الأسئلة الحالية. الفيلسوف الحق هو من يعتقد بوجود المعرفة في خارجه ولذا فهو منشغل بالخارج. لو أقفل أذنيه وأغمض عينيه كما يفعل الكثيرون لعجز عن الاندهاش ولخرج عن كونه فيلسوفا حقيقيا. الفلسفات الحقيقية تحمل في داخلها نظرة جديدة وقضايا جديدة، تأتي محملة بأسئلتها وإشكالاتها ومحاولاتها للإجابة.
الدهشة مبدأ الفلسفة. والمبدأ هو نقطة الانطلاق للتفكير، الخطوة الأولى في عملية التفكير، تلك العملية التي تنظر إلى الوجود والأشياء باستشكال والتي يسيطر عليها إحساس عميق بالجهل ونقص المعرفة تجاه حقيقتها ومعانيها الدقيقة والعميقة. تستعصي الفلسفة على المبادئ الخطأ. التفكير الذي مبدأه التقليد والتسليم لن يؤدي إلى معرفة فلسفية بالتأكيد سيذهب إلى أي مجال آخر ولكن المجال الفلسفي لن يكون أحدها.
لا يشعر بالدهشة إلا من لديه حاجة ملحة لإجابات جديدة، من يشعر بأن البشرية على ما تحصلت عليه من معارف وعلوم لا تزال في بداية الطريق، كل هذه الاشتراطات توفر حالة الانفتاح الذهني والعاطفي التي يتواصل من خلالها المندهش مع الموجودات. على المقابل لا يمكن أن يشعر المقتنع بمعارفه المكتفي بها بالدهشة فهو غير محتاج لها. وبينه وبينها حاجز كبير، الانغلاق. من يشعر أن البشرية قد وصلت إلى الإجابات الكافية بطريقة أو بأخرى لا يستطيع أن يخرج من تصوراته وأفكاره السابقة لينظر بعين جديدة، عين مختلفة إنه يحمل إعاقة معرفية تمنعه من ممارسة التفكير بحرية أو حتى ممارسة الحرية بالتفكير.
كل ما ندين له من أفكار ومخترعات وإنجازات في كافة المناحي كان بفضل لحظات من الدهشة، جعلت هذا الإنسان يعيد النظر وبمستوى أن يعيد النظر في النظام كله. لو لم تدهش حركات الأشياء وسقوطها على الأرض نيوتن لما أعاد النظر في نظام الكون بكامله، وكذا فعل من توصلوا إلى حركة الأرض لو لم يكن لديهم الانفتاح الحقيقي لما أعادوا النظر في أفكار طال إيمان الناس بها. إنها الدهشة تلك الشرارة التي انطلقت منها أعظم الأفكار وأكثرها أهمية.
من إنجاز معادفرحات
ما الذي يخفيه هذا المفهوم ؟
مفهوم الحقيقة هو إحالة إلى مجال معياري، الإنسان حين يفكر أو يتكلم فمن أجل الحقيقة أو على أساسها، أو من أجل امتلاكها. فتعدد التصورات الفلسفية المؤطرة لهذا المفهوم المعقد والسجالي، هو ما يبرر أن تمة صراع حول الحقيقة وليس من أجلها كما تصور ذلك ميشـل فوكو .
مساءلة هذا المفهوم المعياري والمتداخل في شبكة علاقات مع المفاهيم المعقدة مثل الفكر، الواقع ، السلطة، الوهم ، الخطأ، المصلحة يجعل من المساءلة الفلسفية تكتسي طابع الصعوبة والتعقيد .
هذا الأمر يستوجب قدرا من التريث مع رفض كل الإجابات الجاهزة والنمطيـة !
إذن كيف تفهم الحقيقة نورد هذا السؤال على سبيل الاقتحام رغبة في بناء فهم هادئ لهذا المفهوم وفق سلم تدرجـي .
• دلالات المـفهــــــــوم
• في الفهم الاجتماعي : أن مفهوم الحقيقة في دلالاته الشائعة غالبا ما يستند على معيار الواقعية، فالحقيقي هو الوجود القابل للإدراك الحسي والمباشر والقابل للتحقق الواقعي، وبذلك يصبح الواقع هو مرجع الحقيقة كل ما هو واقعي هو حقيقي، غير أن الدلالة الاجتماعية للمفهوم حصرته في زاوية المطابقة وأقصت كل ما هو مخالف للحقيقة مثل الكذب، الوهم ، الخيال رغم واقعيتها ( الكذب أكثر وجودا من الصدق ) .
هذه الثغرة تدفعنا إلى ضرورة تعميق النقاش والمساءلة واستدعاء الدلالة اللغوية .
• الدلالة اللغـوية : يشتق لفظ الحقيقة في اللسان العربي من فعل حق الشيء إذا ثبت واستقر وتحمل الحقيقة معنى الثبات والاستقرار حيث يصبح الحقيقي في المجال الوجودي هو الجوهر والماهية، واللاحقيقة هي المظهر، أما في المجال المنطقي والمعرفي فالحقيقة هي الصدق واليقين، واللاحقيقة هي الوهم والخطأ والخيال، أما في المجال اللغوي فالحقيقي هو ما وضع اللفظ له، واللاحقيقة هي المجاز من داخل هذه التقابلات يفرض علينا ضرورة المعالجة الفلسفية .
• الدلالة الفلسفية : قد حدد لالانـد الحقيقة في معجمه الفلسفي باعتبارها خاصية ما هو حق وهي القضية الصادقة وما تمت البرهنة عليه وهي شهادة الشاهد ، وهو ما يعني اعتبار الحقيقة هي الواقع لا الذي لا يمكن الشك فيه .
يكتسي تعريف لالاند للحقيقة طابعا وصفيا حيث جمع أغلب التصورات حول مفهوم الحقيقة رغم تباينها، وبالتمعن في تعريف لالاند واستحضار التقابلات داخل مفهوم الحقيقة مما يفرض علينا إقامة حوار وتباحث فلسفيين مع هذا المفهوم رغبة في فهم فلسفي دقيق ، وهو ما يعني ضرورة الانتقال إلى المساءلة الفلسفية الإشكالية حيث يصبح السؤال الفلسفي هو العنصر الاستراتيجي لهذه المسائلة.
إنجاز مبارك أضاني
الشك : إن امتلاك الإنسان للمعرفة لم يكن امتلاكا يقينيا، بل سرعان ما نهض الإنسان إلى فحص هذه المعارف فحصا نقديا خاصة وان هناك أحكام كثيرة تمنعنه من الوصول إلى الحقيقة، ومن المحال التخلص منها ما لم يشرع هذا الإنسان في الشك في جميع الأشياء التي قد يجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين. وممارسة الشك هو مُضي نحو اليقين لأنه - في أساسه- فحص نقدي صادق لكل معرفة، فليست ثمة فلسفة حقيقية دون أن يكون هنالك شك في الأصل. ونجد ديكارت من أكبر الفلاسفة وأشهرهم اعتمادا على الشك المنهجي الذي يستتبع فحصا نقديا لكل المعارف.
إن الخطاب الفلسفي بوجه عام يتشكل من آليات فكرية محددة هي الأصل في فعل التفلسف، غير أن هذا الفعل وإن كان أساسه دهشة، سؤال، شك، فإن الخطاب الفلسفي في بنائه يعتمد على مجموعة من أدوات الاشتغال يمكن أن نطلق عليها إسم أدوات منهج الخطاب الفلسفي وهي:
المفهوم والإشكال والحجاج، والتحليل والتركيب ثم النسقية.
· إن الشكّ هو الطّريق المنظّم و الوحيد نحو اليقين. ولكن أي شك؟
1) لا يتعلق الأمر بالشك العادي مثل الشك في نتيجة اختبار معين أو الشك في نوايا شخص معين...
2) ولا يتعلق الأمر بالشك الريبي (المذهبي – البيروني – العدمي) الذي يروم الشك من أجل الشك.
إننا نتحدث عن الشك المنهجي، كما مارسه ديكارت، الذي يتسم بالخصائص التالية:
1) شكّ معرفي و أنطولوجي: لا يتعلّق فقط بالأحكام التّي نصدرها حول الأشياء، بل هو يطال الوجود ذاته ( وجود اللّه، وجود الأشياء، وجود الأجسام الخ...)
2) شكّ جذري و مطلق: يشمل جميع المعارف و الموجودات ( و هو ما يسمّيه ديكارت بمسح الطّاولة)
3) شكّ مفيد: ليس فعلا منافيا للحقيقة و اليقين، بل هو شرط الوصول إليها.
4) شكّ وقتي: و ذلك على عكس الشكّ الرّيبي.
5) شك مرحلي: يلتزم بمنهجية معيّنة ( الشكّ في الانطباعات الحسّية، في المعارف العقليّة و أخيرا في الوجود ذاته ).
6) شك إرادي: يعكس رغبة في الحقيقة و اليقين. وتعبير عن إرادة واعية.وليس بشكّ اضطراري، فهو غير انفعالي و نابع عن قرار واع و إرادي ( فيه عزم و تصميم و إرادة حرّة ). لا يعبّر عن الحيرة و الضّياع بل يعكس اتّجاه الذّات نحو الحقيقة و اليقين.
7) شك ذو غاية تأسيسيّة: بناء المعارف على أسس ثابتة و مستقرّة، بناء شجرة الحكمة أو الفلسفة.
عماد أيمن محمصاني
العقلنة مشتقة من العقل "الذي سمي عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك" والمراد بها هنا الرجوع إلى العقل . والعقلنة هي الوسيلة التي تجعلنا نكتشف الحقيقة بشكل أفضل باستخدام التحليل الواقعي العلمي وليس بالوسائل الانفعالية البائدة السوداء التي تساهم في الالتصاق الأعمى بالأشياء.العقلنة أداة التفاعل الوطني المثمر الذي يؤدي إلى خير الجميع ورفاهية أبناء البلد الواحد في أي مكان على وجه الأرض. فهي تسمح بالمشاركة الفعالة والصائبة لكل مَن له القدرة والإمكانية على التفاعل الإيجابي والإضافات المفيدة لمسيرة بلده وتطوره وتجاوزه لمحنه وآلامه. العقلنة منهج الخلاص من الورطة الكبيرة التي يئن من ثقلها كل شبر من أرض الوطن. وهي الضياء الذي يساعدنا على رؤية الأشياء من حولنا كما هي وليس كما يراد لها أن تبدو وتظهر وتتفاعل. العقلنة لا تترك مجالا للرؤى الميتة والتصورات اللاهوتية والتوجهات الفنتازية والسرابات والتهيؤات العقيمة. العقلنة تضع العماء الفكري والنظرات الخائبة أمام نور العقل والزمن المعاصر وتدفع بها إلى كهوف النسيان وتحرر البشر المقهور من عبودية الأوهام والتبعية والظلم والجهل الذي يتم استثماره من أجل المزيد من الفتك بالآخر المغلوب على أمره, وتقضي على التأسن الفكري والتعصب الأعمى المهين بأنواعه المختلفة وتمنح البشر فرصة كبيرة للحياة وبناء الأوطان. والعقلنة تعني احترام الرأي والرأي الآخر والتفاعل الحضاري المفيد ما بين البشر لكي تتحقق الرفاهية والسعادة ...
أما الرؤى والأوهام والتصورات السالبة فأنها لا تحقق سلاما ولا سعادة وإنما تصنع المآسي والويلات وتبني وجودا معتما تحت شمس الوجود الساطعة. وعندما يتعلق الأمر بالعراق فأن المقصود من ذلك هو أن تراه كل الأطراف بمنظار العقل والحكمة والنزاهة والصفاء والتجرد عن المطامع الشخصية والدوافع الخفية المؤذية. العقلنة وفقا لمنظومة التفكير الجمعي لا يمكنها أن تتحقق بسهولة تحت ظروف استثنائية لا تتفق والموروث الحضاري والنفسي للمجتمع . فهي خيار صعب في ظرف معقد ومتشابك, لكنها ستعطي أفضل النتائج الممكنة التي ستحقق التصميم الابتدائي لخارطة المستقبل . ومن الممكن أن تبدأ خطوات صحيحة للخروج من المأزق المأساوي الذي يغلف أجواء الحياة ويدمر المصير. ومن أهم إجراءات العقلنة أن يتفاعل الإعلام مع الموضوعات المعاصرة المتنورة ويبتعد عن الطروحات المقيتة التي لا تنفع أحدا من أبناء الزمن الحاضر. وأن يكون التعامل مع الأحداث بأسلوب علمي وبحثي رصين بعيدا عن الغلو والاقتراب الانفعالي المتعصب الذي يثير المشاعر السلبية في أعماق الآخرين. ومن المفيد تجنب الاقتراب التفريقي والانعزالي وبناء الأسوار العاطفية السلبية ما بين أبناء الوطن الواحد. فالتأكيد على عراقية المواطن وانتمائه لوطنه عليها أن تكون قيمة أولى وأساسية في التفاعل العام في جميع وسائل الإعلام وفي تفاعلات الواقع اليومي المختلفة. ومن الضروري الابتعاد عن المسميات المجحفة التي تصنع التوترات وتخلق حالة من الإنشداد إلى الوراء. ومن الصواب التدقيق في الكلمات المطروحة على لسان الساسة, وأن تكون خطاباتهم وتصريحاتهم مدروسة من قبل لجنة متخصصة في هذا الميدان لتقرر الآثار المترتبة عن الكلام المكتوب والمطروح في وسائل الإعلام المختلفة من قبلهم . فعلى سبيل المثال كلمة المحاصصة كلمة سلبية ولها تداعيات كبيرة . كما أن الاقتراب من الدين لا بد أن يكون ناضجا وبعيدا عن الفرعيات والتفاصيل. ولا داعي للدخول في الأنفاق المظلمة وإثارة التفاعلات المريضة التي لا تحقق إلا الشقاء, فالنهج عليه أن يكون وطنيا خالصا لا دينيا منغلقا. والمهم في العقلنة التوجه إلى تلبية الحاجات الإنسانية والتأكيد عليها وتوفير الفرص والإمكانيات لتطويرها وتقليل عناء المواطن. فالجانب الإنساني مغفل ولا يلقى الاهتمام الذي يلقاه موضوع دارفور أو غيره من الحالات التي هي أقل مأساوية منه, فوسائل الإعلام والمعنيين يتغاضون عنه وكأن المواطن لا يعاني الأمرين من سوء الحال وفقدان الأمن وسيادة الترويع والمقاساة الصعبة.وللعقلنة على الجميع إشاعة ثقافة المحبة والأخوة وإنكار خطابات التضليل والإغواء ومناهج الكراسي التي تعني شق الصفوف. ومن الصحيح رفض التصورات المريضة المناهضة لطبيعة الأمور والحذر من طروحات المظلومية التي تحولت إلى قوة ظالمة ومصدر للانتقام . ولا بد من التأكيد على الثقافات التي تجمع وتوحد والابتعاد عن ثقافات التفرقة والطائفية والشقاق. كما أن التفاعل الإيجابي مع الدول العربية وإعطاء العروبة قيمة واقعية وعدم النظر إليها والتفاعل معها بضيق وعدوانية وسلبية, فالوطن الصغير يتفاعل مع الوطن الكبير.ومن الجدير وعي حقيقة الواقع وكونه لا يمكنه أن يكون بلا حكومة مركزية ذات قدرة على تحقيق حاجات المواطنين والحفاظ على هيبة الوطن. وأن سياسات الانتقام لا يمكنها أن تجني ما يفيد, والاعتماد على الآخر فقط لا يحقق الأهداف المشتركة لأبناء أي وطن, وأن يكون للشعب قيمته العليا ودوره في صناعة المستقبل. ومن المسؤولية رفض كل أسلوب يؤثر على الأخوة والتعامل الإيجابي بين الناس. ومن المستحسن تسمية الأشياء بأسمائها وعدم الالتفاف على الواقع وتأكيد ما لا يمكن قبوله والإقرار به في جميع مجتمعات الأرض, وبهذا يُمنع الانزلاق إلى سفوح الطامة الكبرى وفقا للأساليب الغلوائية المشتعلة. ويقتضي الواجب الحضاري إشاعة الثقافة الوطنية ومنع التجهيل بمطاردة كل مثقف وصاحب رأي أو أكاديمي. ومن المفيد إعطاء أمثلة عن التربية الديمقراطية والرأي الحر وكيف يتم التفاعل مع الآخرين واحترام آرائهم والتأكيد على التربية الديمقراطية في المدارس. وكذلك الخروج من أنفاق الانفعال ومنهج التبرير والإنكار والإسقاط لتسويغ الخطايا والأخطاء وتشويه الحقائق والوقائع والابتعاد بالمواقف عن الحياة الواضحة الجلية ومحاولة زيادة مساحة الجهل ومحاربة المعرفة والإجهاز على الديمقراطية باسم الديمقراطية. ومن اللازم مغادرة كهوف المليشيات والقفز على موانع الاضطرابات والدخول في أنفاق الثبور باسم الدين والمذهب لكي لا تتحول الحياة إلى تفاعلات مافيوية. كما إن استلطاف الوقوع في مستنقعات الماضيوية يتسبب بخسائر حضارية واجتماعية كبرى, فلكل زمان خصوصياته وظروفه وجيله ولا يحق لجيل أن يتحمل تبعات جيل مضى وانقضى أجله. ولكل أمة دور وتفاعل مع مفردات زمنها الذي تعيش فيه ولا يمكنها أن تتعامل مع الحاضر بمفردات الماضي وليس من الصحيح حرق الزمن وإلغاء دوره في الحياة والتمحور حول لحظة أو فترة زمنية ما وعدم مغادرتها إلى المستقبل, والخروج من عباءة الماضي والنظر إلى الحياة بعيون معاصرة ذات قدرة على إشاعة الأمل والمحبة والرجاء وتحقيق الرخاء.إن التفكير هو أساس الحياة وعندما يكون التفكير سلبيا فأن الحياة ستكون مشحونة بالمشاكل والاضطرابات وعندما يكون التفكير إيجابيا فأن الحياة ستبدو بحلة أخرى وبقدرة جديدة على الصيرورة المثلى. ويمكننا أن نرى العديد من العوامل الأخرى التي يمكنها أن تصب في منهج العقلنة والخروج من نفق الجراح والخراب إلى فضاءات الصفاء والتفاؤل بالسعادة والأمن والاستقرار والازدهار
إنجاز يونس صاميد
الاسطورة عبارة عن حكاية ذات احداث عجيبة خارقة للعادة أو عن وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية بتغييرها و تحويلها و تزيينها
إجمالا
تتميز الأسطورة بمميزات إجمالية يمكن إجمالها كما يلي:
·
- عمقها الفلسفي الذي يميزها عن الليجند/الليجندة مثلا أو الحكاية الشعبية.
- كانت الأسطورة سابقا كما العلوم حاليا أمرا مسلما بمحتوياته.
- في معظم الأحيان تكون شخوص الأسطورة من الآلهة أو أنصاف الآلهة وتواجد الإنسان فيها يكون مكملا لا أكثر.
- تحكي الأسطورة قصصا مقدسة تبرر ظواهر الطبيعة مثلا أو نشوء الكون أو خلق الإنسان وغيره من المواضيع التي تتناولها الفلسفة خصوصا والعلوم الإنسانية عموما.
تفصيلا
- 1 - الأساطير متنوعة في مواضيعها، وهناك من يرى أنها على عدة أنواع:
- الأسطورة الطقـوسية: وهي تمثل الجانب الكلامي لطقوس الأفعال التي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه.
- أسطورة التكوين: وهي التي تصور لنا عملية خلق الكون.
- الأسطورة التعليلية: وهي التي يحاول الإنسان البدائي عن طريقها، أن يعلل ظاهرة تستدعي نظره، ولكنه لا يجد لها تفسيرًا، ومن ثم فهو يخلق حكاية أسطورية، تشرح سر وجود هذه الظاهرة.
- الأسطورة الرمزية
إلا أن تنوع الأساطير، يؤدي حتمًا إلى تنوع تعاريفها، لأن كل تعريف يتأثر بنوع الأسطورة، أو بنوعين أو ثلاثة أنواع، ولذا يبقى التعريف قاصرًا عن أن يكون جامعًا مانعًا.
- 2 - إن تنوع الأساطير أدى إلى تنوع المناهج التي تتناول الأساطير بالدراسة، ولهذا فقد ظهرت المناهج التالية:
- المنهج اليوهيمري الذي يعد من أقدم تلك المناهج، ويرى الأسطورة قصة لأمجاد أبطال وفضلاء غابرين.
- المنهج الطبيعي الذي يعتبر أبطال الأساطير ظواهر طبيعية، ثم تشخيصها في أسطورة، اعتبرت بعد ذلك قصة لشخصيات مقدسة.
- المنهج المجازي بمعنى أن الأسطورة قصة مجازية، تخفي أعمق معاني الثقافة.
- المنهج الرمزي بمعنى أن الأسطورة قصة رمزية، تعبر عن فلسفة كاملة لعصرها، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.
- المنهج العقلي الذي يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم ارتكبه أفراد في تفسيرهم، أو قراءتهم أو سردهم لرواية أو حادث.
- منهج التحليل النفسي الذي يحتسب الأسطورة رموزًا لرغبات غريزية وانفعالات نفسية.
وإن علم ال ميثولوجيا، حتى الآن، لم يصل إلى مرحلة النضج التي تؤهل مدارسه المتنافرة، المتعارضة للاندماج.
- 3 - إن للأسطورة جوانب متعددة ومتنوعة، فهي إن صح التعبير - كما وصفها البعض أنها متاهة عظمى، فلذا نجد الكثير ينطلق في تعريفه متأثرًا بجانب أو عدة جوانب منها فتبدو التعريفات قاصرة، وقد نجد العكس حيث يلجأ البعض إلى تعابير فضفاضة تمتاز بالتعمية والمطاطية إلى حد يفقدها الدقة والتشخيص والتمييز.
- 4 - إن للأسطورة خاصية الشعر الذي يكاد يظل عصيا على أي وصف محدد، ولعل صعوبة الحد والتعريف كامنة في المطلق الذي تنزع إليه الأسطورة أو الذي ينزع إليه الإنسان من خلال الأسطورة، كما قد يكمن في كونها على حد تعبير بعضهم نظاما رمزيًا، وفي أن المنهج أو المنظور الذي يتعين النظر إليه منها لا ينبغي أن يكون جزئيًا انتقائيًا حيال هذه الحقيقة الثقافية المعقدة. ناهيك عن إننا لم نمر بتجربة الأسطورة مرورًا مباشرًا، عدا بعض منها، وهو بعض مشوش الأصل، متلون الشكل، غامض المعنى، والظاهر أنها على الرغم من امتناعها على التفسير العقلاني، تستدعي البحث العقلاني الذي تعزى إليه شتى التفسيرات المتضاربة، والتي ليس فيها، على كل حال، ما يستطيع تفسير الأسطورة تفسيرًا شافيًا.
- 5 - إن القدماء أنفسهم لم يعملوا على تمييز النص الأسطوري عن غيره، ولأهم دعوه باسم خاص يساعدنا على تمييزه بوضوح بين ركام ما تركوه لنا من حكايات وأناشيد وصلوات وما إليها. ففي بيوت الألواح السومرية والبابلية، نجد أن النصوص الأسطورية مبعثرة بين البقية. ثم أن عنوان الأسطورة غالبًا ما كان يتخذ من سطره الافتتاحي الأول، شأنه في ذلك شأن بقية النصوص الطقسية أو الملحمية أو الأدبية البحتة. وهذا ما حدث في التراث الإغريقي كذلك.
- 6 - اشتراك جنس أجناس أدبية أخرى مع الأسطورة في بعض عناصرها، مثل الخرافة، اللامنطق، اللامعقول، اللازمكان في بعض الأحيان، فلذا أرى من الضرورة بمكان، أن نحاول التوصل إلى إيجاد معايير، يمكن أن نفرق بها بين الأسطورة وتلك الأجناس،